حديث الهلال والسوسنة

 

بقلم نور

 

في إحدى الليالي الصيفية الصافية السماء، كانت النجوم تتراقص في حضرة الهلال الذي يخرج لهم بالأيام الأولى والأخيرة من كل شهر! فيتلألؤون من وجوده بينهم ألقاً وحبوراً.

كانت السوسنة الجميلة البرية تراقب تلك الاحتفالات في السماء بشغف وسعادة، ولكن بسمتها الحزينة لا تخفى على من يمعن النظر إليها.

وبينما كان الهلال يبتسم مشعاً بنوره لينشر الضوء في الأرجاء، لمح السوسنة وهي تحدق به مبتسمة، فمدّ شعاعاً صغيراً إليها مسلّما بذلك عليها، ملاطفاً لها قائلاً:

   مساءك خير أيتها الرائعة، مالي أراك ساهرة وحدك؟ أتحبين السمر وأحاديث النجم والقمر؟06

فرحت السوسنة بسؤال الهلال واهتمامه وأجابت بسرعة:

   أحبك بالتأكيد، وأحب أن أمتع عيني بالنظر أليك، ولكن ليس هذا ما يزعجني ويزيد ارباكي… فآاااه… ثم آاااه… كم يُرثى لحالي.

ثم أطرقت رأسها وتحدرت من عينيها دمعة كحبات الندى، عجّلت بإسكاتها وتجفيفها.

   لم أسألك لأرى بعد بسمتك الغريبة دمعتك هذا! كفكفي دموعك، وحدثيني عن سر حزنك فبالمشاركة تحل المشاكل أو تهون الصعاب وتتقارب الأرواح…هيا حدثيني.

   إنني كما تعرف نبتة معمّرة ولكن الناس أقلعوا عن إبداء إعجابهم بي واقتنائي، كلهم ينفرون من لوني البنفسجي ويتهمونه بالتسبب بحالة حزن لهم فيبتعدون عني، أيرضيك أن أكون وحيدة هكذا أراقب فرح كل من حولي من غير أن يسكن قلبي الفرح؟!

ابتسم الهلال وقال بثقة:

   أفكرتِ فقط بما يقولونه ولم تفكري بما تملكينه؟ إن بقيتِ مصغية لكلامهم ستتعبين ولن تجدي حلاً وسيزداد إحباطك، لذا فكري جيداً بنفسك، بنقاط قوتك وركزي عليها جيداً ليرى الجميع القوة والجمال الكامنين فيك.

جملة عن ألف جملة رغم قلة حروفها، إلا أنها وقعت بقلب وعقل السوسنة موقع القبول، وراحت تفكر بجدية بنفسها وبما تمتلكه، فصديقها الهلال يقدم النور في الظلام الدامس لينير الكون بأسره فالجميع ينتظر حضوره بلهفة. وأثناء تفكيرها مرت طفلة صغيرة من أمامها وقالت لأبويها:

   تعاليا واشتما عبق هذه الزهرة كم هو جميل وطيب!

حصلت السوسنة على جوابها، فأريجها الفواح يميزها ويجذب من يقدر العبير والشذى إليها. ومن يومها لم تعد السوسنة تشعر بالغربة أو الاحباط، فقد أدركت ما تمتلكه ومن يقدر جمالها وشذاها.

وفي إحدى الليالي انتظرت السوسنة بلهفة قدوم الهلال وما إن أقبل حتى نادته وسلمت عليه وقالت:07

   شكراً لك… لقد قدمت لي نصيحة غالية، جعلتني التفت لنفسي بدل أن التفت لأحاديث الإحباط المحيطة بمسامعي فنلتُ بذلك ماكنت أرومه، وصرت زهرة محبة لنفسها ويحبها الآخرون، سأجعل نصيحتك من اليوم شعاراً لكل الزهرات.

ابتسم الهلال وقال:

   ولنبقَ صديقين مخلصين نشجع بعضنا على إبراز أجمل ما نملك للغير، ونتشارك الهموم لنغدو بصحبتنا أفضل وبتعاوننا أقوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *