مفاتيح – قرار

مفاتيح

الحلقة الثانية
“قرار”

بقلم هدى  السيروان

رسوم مودة


على مائدة الطعام أجلس مع عائلتي للاحتفال بعيد ميلادي العاشر، فأمي أعدت بعض الحلوى لتفي بوعدها بإقامة حفلة خاصة بي كما فعلت لأخي أحمد حين أتمّ عامه الخامس.
أُطفأت الأنوار

وبدأ الجميع يغنون سعداء بصوت واحد والضحكات تتعالى وأنا أنفخ الشموع شمعة تلو الأخرى عاماً تلو الآخر. التقط أبي صورا لي ولأخوتي لنستذكر هذه المناسبة،

2
وأمي طبعت قبلة على رأسي وعانقتني بحب وهي تتمنى لي عاماً جميلاً مليئاً بالإنجازات، أما أختي الكبيرة بسمة فقد اقتربت منّي لتهمس في أذني: “ليكن عامك القادم خالياً من المشاكل” . انتهت حفلتي الخاصة واقترب موعد النوم وما إن استلقيت على السرير حتى بدأت أغرق في أفكاري، فما قالته لي بسمة يستحق التأمل فسنواتي العشر السابقة كانت مليئة بالعديد من المشاكل، العديد من العهود المنكوثة التي عاهدت بها نفسي وأهلي وأصدقائي، والعديد من أعمال الشغب والإهمال.

في تلك اللحظة دخل3ت أمي لتطمئن عليّ فجلست بجانبي على السرير وقالت: ألم تنم بعد يا صغيري إن لم تنم باكراً فستجد صعوبة في الاستيقاظ غداً. قلت لها بغضب: لم أعد صغيرك يا أمي لقد أصبحت كبيراً، ضحكت بشدة وقالت: لن تصبح كبيراً حتى يكبر هذا وهذا وأشارت بيدها إلى عقلي وقلبي وأضافت إياك أن تظن أننا نكبر بالأعوام فأعمارنا مجرد أرقام إن لم نملأها بالأعمال الحسنة.
استيقظت في صباح اليوم التالي بنشاط كبيرعلى غير المعتاد أمسكت قلماً و ورقة بيضاء كبيرة لأملأها بالوعود ال
تي سأقطعها على نفسي. لقد قررت أن أصبح كبيراً، قررت أن أكون شخصاً صالحاً، سأعود إلى المنزل باكراً وسأنفذ كل ماتطلبه أمي، سأنظم وقتي في مشاهدة الرسوم المتحركة، سأعامل أختي بلطف وأعينها في أعمال المنزل، سأكون صادقاً دوماً، وسأصبح إنساناً عاقلاً يفكر في مستقبله فقط.

بقيت أكتب وأكتب إلى أن انتهت الورقة فقررت التوقف عند هذا الحد وقمت بتعليقها على حائط غرفتي لأراها في كل يوم. وما إن انتهيت حتى سمعت صوت قرع بابنا وأمي تناديني: أمجد أصدقاؤك ينتظرونك عند الباب اذهب وافتح لهم. هممت بالخروج إليهم ثم توقفت لوهلة حين تذكرت أنني قد وعدت نفسي بعدم اللعب متأخر معهم، لكنني تجاوزت الأمر وقلت في نفسي سأنفذ الوعد فيما بعد فليس من اللائق أن أعتذر عن الخروج معهم.
في المساء وبعد عودتي
من اللعب معهم دخلت إلى غرفتي وأنا أشعر بضيق شديد. جلست على مكتبي وأنا أفكّر فيما فعلته، كيف نقضت عهدي لنفسي!! أظن أنه لا أمل منّي فهناك العديد من الوعود ما زالت تنتظرني على الورقة وها أنا قد نكثتها منذ البداية .

في تلك الأثناء تنبّهت إلى وجود مفتاح غريب لم أره قبل ذلك في الغرفة، كان بريقه شديداً للغاية ولكنه انخفض شيئاً فشيئاً حالما بدأ بالكلام: صديقي أمجد هدء من روعك ولا تبتأس بما فعلت، فكتابتك وعوداً لنفسك محاولة عظيمة بحد ذاتها ولكن يلزمك بعض التركيز. استمع إليّ جيداً، إن كنت تشعر أنّك فقدت السيطرة، فركز على الشيء الوحيد الذي تستطيع السيطرة عليه. اقطع لنفسك وعداً وأوف به، ابدأ بتعهدات صغيرة جداً تعرف أنه بإمكانك إنجازها، مثل التعهد بأن تتصرّف بلطف مع جميع من حولك وبعد أن تكون قد بنيت بعض الثقة بالنفس، يمكنك عندها أن تسعى وراء قرارات أخرى. مثلا عدم الكذب على أحد أبداً، وهكذا ستستطيع الإيفاء بكل العهود التي قطعتها على نفسك وعندها ستستطيع الإصلاح من نفسك ما أردت ويمكنك حينها أن تقول عن نفسك أنك أصبحت شخصاً كبيراً واعياً ومدركاً حقيقة نفسه.
انتهى المفتاح من حديثه وانطفئ بريقه معه، لكن بريقا أنير داخلي. فها أنا أضع خطة محكمة سأسعى للحفاظ عليها وسأبدأ بها واحدة تلو الآخرى حتى أنهيها كلها.
في الآونة الأخيرة شعرت بازدياد رضا أمي لما أقوم به وأنا أشعر بالفخر لإيفائي بعهود قطعتها على نغسي.
مفتاحك بيدك الآن :
“حافظ على وعودك لنفسك”

إذا أردت أن تكون مسؤولاً حافظ على وعودك لغيرك، و إذا أردت أن تكون ناجحاً حافظ على وعودك لنفسك.4

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *