ليلى وأبجدية الربيع – حرف الشين

lila-shain2

أمضت ليلى وقتاً ممتعاً في عطلة الصيف زارت فيه أماكن كثيرة وقرأت فيه العديد من الكتب المفيدة وتعلمت فيه أشياء جديدة. وبعد أن انقضت العطلة جاء الوقت للعودة إلى المدرسة، وكانت ليلى قد اشتاقت لأصدقائها ولمعلماتها ولكتبها ودفاترها، وكانت متحمسة بشدة لبدء الدوام فاستيقظت في أول يوم للدراسة في وقت مبكر وجهزت نفسها قبل والدها الذي أوصلها إلى المدرسة وهي تكاد تطير من الفرح وأقدامها لا تكاد تصل إلى الأرض وهي تركض بسرعة لدخول الصف …

عند عودة ليلى من المدرسة بدت حزينة وصامتة وكان من الواضح أن هناك انقلاباً هائلاً في مزاجها قد حدث. جلست وحيدة في الزاوية منكسة رأسها دون أن يصدر عنها أي كلام. شعر والدا ليلى بالقلق فهذا التغير في مزاج ابنتهم ليس معهوداً ولا يملكان له تفسيرًا واضحاً فحاول والدها أن يكتشف السبب …

الأب: ما بك يا حبيبتي؟ أراك حزينة على غير ما تركتك صباح اليوم!
ليلى: لا أرغب بالكلام..
الأب: هل ضايقك أحد في المدرسة؟
ليلى: لا.
الأب: هل هناك مشاكل في توزيع الصفوف؟
ليلى: لا، الصف الذي انتقلت إليه جميل.
الأب: ماذا حدث إذاً؟
ليلى: إنه كميل.
الأب: ما به؟
ليلى: لم يأت إلى المدرسة اليوم، وعندما سألت جعفرًا عنه قال بأنه غائب بسبب وفاة والده.
الأب: الدكتور باسم والد كميل توفي؟ متى حدث هذا؟ وكيف؟
ليلى: قُتل في سوريا قبل يومين
الأب: لا حول ولا قوة إلا بالله. هذا أمر محزن حقاً، علينا أن نستوضح الأمر أكثر وأن نقف مع كميل وعائلته.

وبعد عدة اتصالات تبين أن الدكتور باسم كان قد قرر أن يمضي إجازته الصيفية في عمل إنساني فسافر إلى سوريا لمساعدة الجرحى وأمضى هناك عدة أسابيع قبل أن يسقط مع الضحايا الذين كان يحاول أن يساعدهم.

الأب: أعرف أنك حزينة يا بنيتي ولكن علينا أن نتذكر أن الدكتور باسم قد “استشهد” وهو يقوم بالعمل الذي يحبه كثيرًا، وهو مساعدة الناس.
ليلى: أعرف هذا، ولكني حزينة جداً على صديقي كميل.
الأب: معك حق، علينا جميعاً أن نكون معه وأن ندعمه.
ليلى: كيف يمكن أن نساعده يا بابا؟
الأب: علينا أن نتذكر دائماً ونذكر كميل أن والده مات شهيداً.
ليلى: وما الفرق في أنه مات شهيدًا؟ لقد مات وترك كميل وحيداً.
الأب: هناك فرق سأوضحك لك، ولكن حدثيني أكثر عن ما يزعجك.
ليلى: يزعجني أن يبقى كميل بدون أب طوال عمره.
الأب: صحيح يا بنيتي، سيترك رحيل الدكتور باسم فراغاً كبيرًا في حياة كميل، هذا أمر محزن حقاً.
ليلى: أفكر بكميل وأنا حزينة جداً عليه، ولا أعرف ماذا أقول له عندما أراه.
الأب: معك حق، وتعاطفك هذا مع كميل أمر نبيل ومرهف، ويمكنك أن تقولي له ما تشعرين به دون حرج يا صغيرتي.
ليلى (وقد اغرورقت عيناها بالدموع): أنا أخاف أن أفقدك يا بابا.
الأب: الموت حقيقة يجب أن نعرفها ونتوقعها ونتعامل معها يا صغيرتي.
ليلى: كيف؟
الأب: الموت هو جزء من الحياة، وكلنا سوف نموت في يوم من الأيام.
ليلى: لا أستطيع أن أتخيل أن أكون بدونك أو بدون ماما.
الأب: هذه الأمور والأقدار ليست بيدنا يا ليلى، ولكن الذي بيدنا هو كيف نفكر بموضوع الحياة والموت وكيف نتعامل معهما.
ليلى: ماذا تعني؟
الأب: كنت قد سألتِ عن الفارق في أن يموت الإنسان شهيداً!
ليلى: أجل.
الأب: نحن لا نملك أن نقرر متى أو كيف نأتي إلى الحياة يا بنيتي، نحن لا نختار عائلاتنا ولا أشكالنا ولا أجسادنا ولا أوطاننا. وبالمثل، فنحن لا نختار كيف تنتهي حياتنا. ولكننا نختار كيف نعيشها وأي قيم ومواقف نتخذ في رحلتنا كأفراد في هذه الحياة.
ليلى: اشرح لي أكثر من فضلك.
الأب: كان من الممكن أن يموت والد كميل بحادث سيارة، أو بمرض خطير، أو لأي سبب آخر، تمامًا كما يمكن أن يموت أي منا لهذه الأسباب. أليس كذلك؟
ليلى: نعم، هذا صحيح.
الأب: الفرق هو أن والد كميل اختار أن يمضي حياته في مساعدة المحتاجين والمرضى وعندما جاء أجله كانت وفاته جزءًا من هذا الخيار النبيل والإنساني. أن يموت الإنسان وهو يقدم المساعدة للآخرين فهذا يمنحه كرامة كبيرة وذكرى خالدة. هذه هي الشهادة، من يقرر أن يعيش لمساعدة الآخرين ويأتيه الموت يكون من الشهداء. إن خيار والد كميل الشهم في الحياة قد منحه الشهادة.
ليلى: وهل هذا هو معنى الشهادة؟
الأب: نعم، هذا أحد معاني الشهادة. الشهادة لا تعني الموت بالضرورة بقدر ما تعني الطريقة التي نختارها والموقف الذي نتخذه في الحياة تجاه الآخرين وتجاه الأحداث. الموت قادم بأي حال إلى الجميع، ولكن الفرق هو حالنا والعمل الذي نقوم به عند قدوم الموت، وكيف نمضي حياتنا في تلك اللحظة.lila-shain
ليلى: والد كميل كان يمضي وقته في معالجة المرضى ومساعدتهم عندما توفي.
الأب: صحيح، لقد أنقذ حياة الكثيرين وسوف تعيش ذكراه معهم ومع الذين أحبهم وأحبوه مثل كميل وعائلته.
ليلى: شكرًا لك يا بابا، أعتقد أني أصبحت قادرة على الحديث مع كميل الآن وأعرف ماذا سأقول له.
الأب: وماذا ستقولين له؟
ليلى: سأقول له أن والده كان إنساناً عظيماً أنقذ حياة الكثير من الناس، وأن غيابه عنا لن ينسينا إياه بل على العكس سوف تبقى ذكراه حية بيننا. سأقول له بأننا جميعاً أصدقاؤه ونحبه وسوف نكون معه في محنته وبأنه يحق له أن يفخر بوالده والعمل الذي كان يقوم به. سأقول لكميل بأننا لا نختار الطريقة التي نموت بها ولكننا نختار الطريقة التي نحيا بها، ووالده اختار أن يكون شجاعاً ومضحياً من أجل الآخرين
الأب: أعتقد أن هذا سوف يسعد كميل ويخفف عنه كثيراً!
ليلى: أتمنى ذلك، وسوف أتحدث مع بقية الأصدقاء حتى نكون معاً إلى جانب كميل.
الأب: موقف جميل، أنتم خير الأصدقاء حقاً.

أمضت ليلى وقتاً طويلاً في الفراش تلك الليلة قبل أن تستطيع النوم وهي تفكر بمعنى الشهادة وكيف أنها لا تتعلق بكيفية الموت بقدر ما تتعلق بكيفية الحياة، ورددت في ذهنها ما ستقوله لكميل غداً عن والده الشهيد الشجاع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *