ليلى وأبجدية الربيع – حرف التاء

lila tahكانت ليلى قد تعلّمَت مع حرفِ الألفِ أنّ الإنسانَ هو حاملُ الأمانةِ ومعَ حرفِ الباءِ أنَّ بلدَها هو بيتُها الكبيرُ وأنَّ أهمَّ شيءٍ فيه هم أهلُه، وجلسَتْ تتذكرُ تلكَ المعلوماتِ الهامةِ وتحاولُ أن ترسمَ بهاءَ الربيعِ وأزهارهِ العطرةِ وتتخيلَ خارطةَ بلدِها الجميلِ وتلوِّنه بألوانِها المختلفةَ حتى أبدعتْ لوحةً غنيةً بالألوانِ

أعجبَتْ ليلى بلوحتِها وشعرتْ بالفخرِ أنَّها رسَمَت الربيعَ بشكلٍ جميلٍ
فحملَتْ رسمَتَها وركضَتْ إلى والدِها

ليلى: بابا … بابا
الأب: نعم يا ليلى
ليلى: أنظرْ إلى رسمتي عن بلدِي يا بابا
الأب: إنها رسمةٌ جميلةٌ حقا يا ليلى
ليلى: حقاً؟ هل أعجَبَتْكَ يا بابا؟
الأب: نعم يا صغيرتي، رسمُكِ جميلٌ وألوانُكِ متناسقةٌ وأفكاركِ ذكية
ليلى: شكرا يا بابا. لقد رسمتُها لأني أحبُّ الربيعَ وأريدُ أن نكمِلَ قصَّتنا عنه
الأب: حسنٌ يا لولو، ما هو الحرفُ التالي بعدَ حرفِ الباء؟
ليلى: إنه حرف التاءِ يا بابا. ما هي الكلمةُ التي ستعلّمُني إياها اليوم؟
الأب: هل أنت مستعدةٌ؟ كلمةُ اليومِ لا أظنُّ أنكِ تعرفينَها يا ليلى
ليلى (وقد شعَرَتْ بالتحدي والترقب): هلْ هي صعبةٌ حقاً؟ أنا مستعدة
الأب: إنها كلمةُ تَعَدُدِيّة
ليلى: تعددية؟ تعددية؟ ماذا تعني تعددية؟
الأب: ماذا يخطر على بالكِ عندما تسمَعِين كلمةَ تعددية؟
ليلى: عدد؟ أرقام؟
الأب (مبتسما): أنت تقتربين من المعنى
ليلى: هل أفهمُ من هذا أن التعدديةَ تعني الكثييييير؟
الأب: نعم، إنها تعني الكثيرَ ولكن ليسَ فقط في الكميةِ ولكن في النوعيةِ أيضاً. التعدديةُ تعني التنوعَ والإختلافَ
ليلى: وماذا يعني هذا؟ بابا أنتَ تصعِّب الأمورَ عليَّ
الأب: هههه. اصبري يا لولو وسوفَ تكتَشِفين أنّها ليست بهذه الصعوبةِ
ليلى: آه، حسنٌ
الأب: انظري إلى لوحتِك الجميلةِ هذه يا ليلى وتخيَّلي أنَّكِ لم تستخْدِمي أيَّ لونٍ في رسمِها
ليلى: بدونِ ألوان؟!
الأب: أجل، بدونِ ألون. تخيَّلي لو لم يكن هناكَ ألوانٌ، كيف كانت ستبدو لوحتُكِ؟
ليلى: يعني أنَّها كلَّها مرسومةٌ بقلمِ الرصاص؟
الأب: نعم، كلّها
ليلى: كانت ستكونُ بشعةً قليلاً
الأب: لماذا بشعةٌ قليلاً
ليلى: لأن الألوانَ جميلةٌ في الحياةِ، تخيَّل لو كنّا فقط مثلَ قلَمِ الرصاص!
الأب: صحيحٌ يا حبيبتي؛ الألوانُ هي من جمالِ الحياة. الألوانُ يا ليلى في الحياةِ هي التنوّعُ، هي التعدديةُ. بدونِ التنوّعِ تكون الدنيا محدودةٌ ومحصورةٌ بين الأبيضِ والأسود.
ليلى: هذا أمر مزعجٌ
الأب: نعم، ومُمِلٌّ أيضاً
ليلى: ولكن لماذا تسألنُي هذا السؤال؟ ما دخلُ هذا بالربيعِ الـ …؟

وقبل أن تنْهي ليلى سؤالَها بدأَتْ تكتَشِفُ لوحدِها الإجابةَ. فكَّرَتْ أنَّ الألوانَ هي التي تُعطِي الربيعَ جمالَه وبهاءَه وحيويتَه وأنّه بدونِ الألوان لا يوجدُ ربيعٌ ولا توجدُ حياة

الأب: في وطَنِنا الكبيرِ، في بيتِنا الواسعِ، في بلدِنا الجميلِ نحن بحاجةٌ إلى الألوانِ، تماماً كما يحتاجُ الربيعُ إلى الألوانِ. التَعَدُدِية يا ليلى هي أن نُقَدّرَ ونحتَرِمَ اختلافَ الآخرين عنّا، تماماً كما تختلفُ الألوانُ عن بعضِها. بدونِ اختلافِنا تتحولُ الحياةُ إلى لوحةٍ مرسومةٍ بقلمِ رصاص. لقد تعلَّمْتِ سابقاً يا حلوتي أن الإنسانَ هو حاملُ الأمانةِ وأنّه أغلى ما في الوطنِ، اليومَ أحبَبْتُ أنْ تَعْرِفي أيضاً أنّ جمالَ بلادِنا هو في اختلافِنا وتنَوُّعِنا مثلَ اختلافِ الألوانِ وتنَوُّعِها. ما هو لونُكِ المفضَّلُ يا ليلى؟
ليلى: اللّونُ الأحمرُ يا باباlila tah2
الأب: وأنا أحبُ اللّونَ الأخضرَ، وربما ماما تحبُّ اللّونَ البرتقالي. تخَيَّلي يا ليلى لو أننا كلَّنا نفضِّلُ لوناً واحداً، في اللباسِ والأثاثِ والأغراضِ، كيف كنّا سنبدو؟
ليلى (وهي تضحك): كنّا سنبدو مملين
الأب: هذا هو معنى التَعَدُدِيةِ يا ليلى. نحنُ في بلدِنا متنَوِّعون في الدِّينِ والعِرْقِ واللّغةِ والعاداتِ والأفكار، وعلينا أن نحترمَ هذا التَلّونَ ونحافِظَ على هذا الاختلافِ لكي تكونَ حياتُنا جميلةٌ وزاهيةٌ كالربيعِ

أمسكَتْ ليلى بعلبةِ الألوانِ الكبيرةِ التي تملِكُها وشَعَرَتْ أنَّها بدَأَتْ ترى الدنيا بشكلٍ جديدٍ أجمَل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *