قصص من مخيم الأمل-حكواتي المخيم

الحلقة 2

بقلم فاتن أبو اللبن

رسوم سلطان

على باب خيمته يجلس أبو محجوب وقتاً طويلاً وهو يراقب قرص الشمس من الشروق إلى المغيب وكأنه يعد الدقائق، ينظر إلى ساعته القديمة التي كانت الشيء الوحيد الذي نجا معه، ثم يرفع رأسه مفتشاً في أرجاء المخيم عن أحد يجلس معه ليبدأ سلسلة أحاديثه وذكرياته التي لا تنتهي.

كان الناس يضجرون أحياناً من أحاديثه، وكان أبو محجوب يتألم لذلك لكنه يجد رغبة شديدة بالتكلم مع أي شخص حتى لو كان طفلاً صغيراً! أجل فالصغار وحدهم من كانوا يجدون لحديث أبي محجوب متعة خاصة؛ لقد كان أبو محجوب قبل أن يأتي إلى هنا قصّاصاً من الطراز الاول، وحكواتي الحي بلا منازع.

وفي أحد الأيام شاهد أبو محجوب أبناء المخيم وقد اجتمعوا بعيداً وكأنهم يتآمرون بشيء ما!! ترى ما الذي يشغلهم؟ ولماذا لم يقبلوا لسماع بعض القصص هذا اليوم؟!

كان الأطفال يمرون بالقرب منه، يبتسمون له ابتسامة عريضة ذات مغزى ثم ينطلقون كعصافير تتقافز بخفة ونشاط باحثة عن قطع القش لتبني بها أعشاشها.

وضع أبو محجوب يده على خده واتكأ على مسند كرسيه المتحرك، وبعد قليل حرك عجلات كرسيه، ولأول مرة شعر بالحاجة إلى الجلوس داخل الخيمة، ما عاد أحد يريد سماع أحاديثه، ولا حتى الأطفال.

بقي أبو محجوب يومين على تلك الحال إلى أن سمع خارج خيمته وشوشات وضحكات وعبارات حماسية، وقبل أن يعود للاستلقاء والنوم نادى أحد الأطفال من خارج الخيمة: – عمّي أبا محجوب؛ هل تسمح لنا بالدخول؟

أجاب: – تفضلوا يا بني فلا أحد هنا.

دخلت مجموعة من الصبية بشعورهم الشعثاء التي تطايرت بفعل عمل ما، ثم تقدم أحدهم وقال: – يسرنا يا عمّ أن تصبح حكواتي جلستنا المسائية.

رفع أبو محجوب رأسه وقبل أن يتفوه بكلمة قال الأطفال:

  رتبنا خيمة كبيرة لتكون بمثابة قاعة للاستماع، نريد أن نسمع حكاياتك يا عمّ، بل وحكايات كل من يرغب أن يحدثنا عن الوطن، عن العزة، عن أيام بطولاتنا وأمجادنا، عن ماضينا وجذورنا التي سنربط بها مستقبلنا.

ضحك أبو محجوب ضحكة كبيرة من قلبه لم يضحك مثلها منذ سنوات، وفي المساء كانت خيمة الحكواتي تكتظ بالكبار والصغار ممن تهافتوا ليسمعوا حكايات الوطن، ويدخلوا السرور إلى قلب أبي محجوب.007-copy

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *