ليلى وأبجدية الربيع – حرف الفاء

 

32

تحب ليلى مدرستها لأنها تتعلم كل يوم شيئاً جديداً، ولكن اليوم بالذات كانت على موعد مع تجربة لم تعهدها من قبل. طلبت المعلمة من ليلى وأصدقاءها كتابة موضوع تعبير بشكل حر عن أي شيء يرغبون به ووعدت أن تعطي هدية لأفضل موضوع. اعتادت ليلى على التعامل مع التحديات والواجبات الواضحة والمحددة، ولكنها اليوم وجدت صعوبة بإيجاد الفكرة التي ستكتب عنها.

في طريقها نحو المنزل في باص المدرسة بدأت ليلى تحدث نفسها بقلق: “لو أن المعلمة حددت عنوان الموضوع لكان الأمر أسهل، لماذا لم تطلب منا أن نكتب عن حديقة الحيوانات أو عن بعض النباتات؟ كيف سأجد فكرة موضوع أنافس فيه وأربح الجائزة؟” قاطع أفكارها صوت كميل وهبة يتحدثان في المقعد الخلفي عن المواضيع التي سيكتبانها.
كميل: سوف أكتب عن تاريخ الطيران، وأتحدث عن أنواع الطائرات وأحجامها. أنا أتوق لكتابة ذلك الموضوع.
هبة: وأنا أيضاً متشوقة لكتابة موضوعي عن الموسيقى وأدواتها وجمالها.

سمعت ليلى الحديث وازداد قلقها وكان من الواضح أنها تخشى أن يكون موضوع أحد أصدقائها أفضل من موضوعها، وهي بطبيعتها التنافسية ترغب أن تكون صاحبة أفضل موضوع. وكانت كلما تعذر عليها الوصول إلى فكرة مناسبة يزداد توترها وتشعر بأن الأفكار الجيدة كلها قد اختفت من رأسها وسكنت في رؤوس أصدقائها.

عندما وصلت إلى البيت لم تستح ليلى أن تسأل والدها بعض المساعدة، وشرحت له المعضلة التي تمر بها وصعوبة إيجاد فكرة تكتب عنها فقال لها ولدها:
الأب: هناك الكثير من الأفكار الممتازة التي تنفع في كتابة موضوعك يا ليلى.
ليلى: أعرف، ولكني لا أستطيع أن أقرر، هناك الكثير من المواضيع المهمة!
الأب: إذا أكتبي عن أكثر شيء تشعرين الآن أنه مهم بالنسبة لك.

فجأة لمعت فكرة عبقرية في رأس ليلى وسألت نفسها: لماذا لا أكتب موضوعا عن معنى “الفكرة” نفسها؟ وفعلا قررت أن تكتب عن تحدي الإبداع وكيف يمكن للإنسان أن يأتي بفكرة مبدعة وخلاقة. وفي اللحظة التي قررت فيها ليلى ذلك بدأت المعلومات والأفكار تفيض في ذهنها من خلال ما قرأته وتعلمته سابقاً، وركضت إلى دفترها تدون ما يخطر لها حتى لا تنساه. خطر في بال ليلى كيف أن فكرة استخدام النار قد غيرت حياة الإنسان القديم فأتاحت له طهو الطعام وحماية نفسه من الحيوانات. تبادر في ذهنها كيف أن فكرة الكتابة بحد ذاتها، والتي خطرت للإنسان قبل آلاف السنين عندما بدأ بتسجيل أفكاره، قد غيرت مصير الإنسان وبدأت التاريخ. تذكرت ليلى أنها قرأت في كتاب عن تاريخ الإنسان أن اختراع العجلة كان فكرة قد غيرت وجه التاريخ لأنها سهلت التنقل ونقل البضائع. تجمعت الأفكار في رأسها بسرعة وبدأت تكتبها على الورقة حتى لا تضيع منها، وحاولت أن تجد السر وراء إبداع الأفكار الجديدة.

كتبت ليلى أن الفكرة الإبداعية تأتي أولاً من الحاجة إلى إ33يجاد حل لمشكلة معينة، كاختراع العجلة لنقل البضائع مثلاً. ثم أيضاً تحتاج الفكرة إلى دماغ يفكر خارج المألوف وبشكل مختلف عما سبق وعن السائد، وهذا ما حدث عندما فكر العالم كوبرنيكوس أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس كما كان الجميع يظن يومها. وانتبهت ليلى أن الأفكار الجديدة تأتي من تفاعل الأفكار المختلفة في أجواء تسودها الحرية واحترام الرأي الآخر. ثم ختمت ليلى موضوعها برأي مهم وهو أن كل سلوك يقوم به الإنسان أو أي اختراع جديد يبتكره إنما وراءه فكرة.

أعجبت المعلمة بموضوع ليلى وطريقتها في التفكير والكتابة عن الموضوع، ورغم أن مواضيع أصدقائها كانت كلها ذات مستوى جيد إلا أن موضوع ليلى كان أكثرها إبداعاً وبالتالي حصلت على جائزة المعلمة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *