ليلى وأبجدية الربيع – حرف السين

18

كان لمشاركة ليلى وأصدقائها في حملة التبرعات أثر إيجابي كبير على شخصياتهم
ورؤيتهم للأمور وخاصة ليلى التي تعلمت المشاركة والبذل والزهد وتعلمت كيف
تتعامل مع رغبتها بالتملك وتوازن بينها وبين واجبها في العطاء.
ولكن التفاعل الإيجابي مع مصائب الآخرين لم يشبع فضول ليلى ورغبتها في
معرفة الأشياء وبقيت التساؤلات حاضرة في ذهنها: لماذا يتعرض الأطفال
للتهجير؟ لماذا أخرج الناس من بيوتهم واضطروا للنزوح؟ لماذا تحدث الحروب؟
بدت هذه الأسئلة ملحة وكبيرة لليلى وكالعادة جاءت إلى والدها تسأله …
ليلى: لماذا يعيش الناس في المخيمات يا بابا؟
الأب: لأنهم فقدوا منازلهم أو لأن البقاء في منازلهم صار خطيراً على حياتهم
ليلى: أعرف ذلك! ما أريد أن أعرفه هو لماذا تعرضوا للخطر منذ البداية؟ لماذا
حدثت الحرب منذ البداية؟
الأب: هذا سؤال مهم جداً يا عزيزتي ولا أظن أن أحداً يعرف الإجابة عليه بشكل
كامل ولكن سوف أحدثك بما أعرف أنا.
ليلى: حسن، حدثني.
الأب: أولاً أريد أن أوضح لك شيئاً وهو أن كل سلوك نقوم به مبني على تصوراتنا
وفهمنا للأمور.
ليلى: ماذا تعني؟
الأب: أعني أن كل فعل نقوم به أصله فكرة في رؤوسنا.
ليلى: وما دخل هذا بالحرب؟
الأب: الحرب، مثلها مثل أي فعل يقوم به الناس، مبنية أيضاً على أفكار يؤمنون بها
ليلى: مثل ماذا؟
الأب: مثل أن المشاكل تحل بالعنف وليس بالعقل.
ليلى: كيف هذا؟
الأب: هذا يعني أنه عند حصول مشكلة معينة سواء بين أفراد أو حتى بين دول فإن
القناعات الخاطئة بأن العنف واستخدام الأسلحة سوف يحل المشكلة يفاقم المشاكل
ولا يحلها.
ليلى: هل هذا يعني أن الناس الذين في المخيمات يؤمنون بهذا؟!
الأب: ليس هذا ما قصدته يا ليلى، بل على العكس، فهم ضحايا هذا الفهم الخاطئ
ليلى: كيف؟ اِشرح لي.
الأب: عندما تكون هناك حكومات مستبدة تحتكر السلطة في المجتمع ولا تؤمن
بحق الناس في الاختلاف معها وتكون عند هذه الحكومات قناعة راسخة أن القوة
ستنجح في إخضاع الناس وتستخدمها ضد الأبرياء تحدث الحروب ويزداد عدد
الضحايا ويعم الدمار.
ليلى: وهل هذا ما حدث في سوريا مثلاً؟
الأب: ليس فقط في سوريا، ولكن في كل مكان. إن اللجوء إلى السلاح لحل المشاكل
هو سبب ضياع السلام في أي بقعة من العالم
ليلى: ولكن الكثير من الدول لديها جيوش وأسلحة، هل هي مخطئة جميعاً؟
الأب: دعينا ننظر إلى الأمر من زاويا أخرى ونرى كيف يتسع فهمنا للأمور
ليلى: إني أستمع …
الأب: هل تعلمين أن ستة آلاف طفل يموتون في العالم كل يوم لعدم قدرتهم على
الحصول على مياه نظيفة للشرب
ليلى: ماذا؟! ستة آلاف طفل؟ كل يوم؟ هل حقاً يجدث هذا؟ يا إلهي!!
الأب: أنت مصدومة، أليس كذلك؟
ليلى: أجل!
الأب: سيزداد اندهاشك وصدمتك عندما تعرفين أن تكلفة تصميم وتصنيع طائرة
حربية واحدة يكفي لحل هذه المشكلة في العالم وإنقاذ حياة هؤلاء الأطفال من
الموت بسبب الماء الملوث.
ليلى: يا إلهي!
الأب: ليس هذا فقط، ولكن الأمثلة كثيرة ومؤسفة. مثلاً، هل سمعت بمرض
السرطان؟
ليلى: أجل، أعرف أنه مرض خطير وقد يؤدي إلى الموت إذا لم يكتشف مبكراً
ويعالج
الأب: هل تعلمين أنه في بلد واحد مثل الولايات المتحدة، وهي بالمناسبة من أكثر
البلدان التي تنفق على أبحاث السرطان، هل تعلمين أن الإنفاق السنوي على التسلح
يفوق أكثر من مئة ضعف الإنفاق على أبحاث السرطان لإيجاد علاج ناجع له
ليلى: يا للهول! هل هذا صحيح؟!!!
الأب: نعم، وهذا صحيح ليس فقط في الولايات المتحدة وإنما في معظم دول العالم.
إن الإنفاق على السلاح يفوق الإنفاق على التعليم والصحة والأبحاث العلمية. إننا،
كبشر، لا نزال نؤمن بأن السلاح سوف يحمينا وننفق على تصميمه وانتاجه
وشرائه أكثر مما ننفق على الأمور التي سوف تجعل حياتنا أفضل كالتعليم والصحة
ليلى: هذا أمر عجيب!
الأب: ألم أقل لك أن السلوك في الأصل ينبع من الفكرة المسبقة التي نقتنع بها. لا
يمكن أن تتحسن حياتنا وأن تتطور أمورنا وأن يعم السلام بيننا إلا إذا اقتنعنا جميعاً
أن السلاح لا خير فيه، وأن الحلول الحقيقية تأتي من التفكير والتعقل والتعاون
ليلى: ولكن كيف نحل هذه المشكلة؟
الأب: الموضوع قديم جداً يا صغيرتي، قديم قدم الإنسان ويحتاج إلى وقت لتغيير
المفاهيم. ولكن في الحقيقة، ورغم ما نشاهده من مآسي كل يوم في عالمنا، فإن
القتل والعنف يتضاءلان في العالم يوماً بعد يوم
ليلى: حقاً؟!
الأب: نعم. الدراسات والإحصائيات تقول بأن العالم يبتعد عن العنف ولكن ببطء
ليلى: ولكن ماذا يجب أن نفعل الآن تجاه ما يحدث من عنف في العالم؟
الأب: علينا في البداية أن نصحح مفاهيمنا، السلاح والسلام لا يجتمعان. إذا أردنا
أن نحقق السلام علينا أن نبحث عن بدائل نستخدمها لحل خلافاتنا غير السلاح لأن
القتل لن يأتي إلا بالمزيد من القتل وهذا ما نراه كل يوم أمامنا. في اللحظة التي
نتخلى فيها عن فكرة استخدام السلاح فإن الأفكار الإبداعية سوف تأتي إلينا وسوف
تنفتح لنا آفاق كانت غائبة عنا لإكتشاف الحلول وتجاوز الخلافات.
ليلى: أنا لا أؤمن باستخدام السلاح يا بابا، وأنت تعرف ذلك.
الأب: أجل والأمل يا حلوتي هو أن جيلك سوف يكون ذكياً وعقلانياً ويبدع الحلول
للمشاكل ويبتعد عن السلاح واستخدامه. أنتم الأطفال أمل الإنسانية ورأس مالها
وأنتم من سيصنع السلام.
ليلى: شكراً يا بابا على المعلومات القيمة. أحبك!
قالتها ليلى وذهبت إلى دفترها لتكتب: نعم للسلام، لا للسلاح!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *