ليلى وأبجدية الربيع – حرف الزاي

17

بعد نجاح حفلة نهاية العام في المدرسة وإدراك ليلى لأهمية العمل الجماعي وضرورة احترام كل رأي بدأت ليلى بشكل واع بالاهتمام بالأشخاص والمواقف والأحداث التي تتجاوز حلقتها الضيقة ودائرة اهتمامها الشخصية، بدأ عالمها يتسع ويكبر فجأة بعد أن اكتشفت أهمية التواصل والتعاون مع الآخرين والعمل معهم. وأتاح لها بقاؤها في المنزل بسبب العطلة الصيفية مجالاً لتتعلم عن الآخرين وتفكر بهم وأن تتواصل مع محيطها وتكتشفه بشكل جديد.
وكان من أهم الأحداث التي مرت عليها في هذه العطلة هو شهر رمضان، فقد اكتشفت فيه ليلى أشياء لم تكن تعيها من قبل وخاصة روح التعاون والبذل والعطاء.
لم تكن ليلى وحدها، فقد كان أصدقاؤها أيضاً يشاركونها تلك الاكتشافات، وكانت الأحاديث التي تدور بين الكبار عن الأحداث التي تجري توقد مخيلة الصغار وتثير فضولهم. وبعد اتصالات مع أصدقائها قررت ليلى أن تؤدي دورها في هذه الأجواء وبدأت بالتخطيط والتنفيذ.

ليلى: بابا، كيف يمكن أن أساعد الأطفال في المخيمات؟
الأب: المخيمات؟! وما الذي أدراك عن المخيمات؟
ليلى: أنا أعرف عنها من الأخبار والأحاديث التي تجري حولي. لقد سمعت ماما أمس تتحدث عن الأطفال الذين يعيشون هناك بدون مدارس وبدون هدايا.
الأب: وماذا فكرت أن تعملي؟
ليلى: لا أدري، أحب أن أساعد ولكن ليس لدي أية أفكار.
الأب: حسن، أريد أن أقول لك شيئاً مهماً كي تستطيعي تقديم المساعدة الأفضل.
ليلى: ماذا؟
الأب: كان من الممكن بكل سهولة أن تكوني من هؤلاء الأطفال في المخيمات.
ليلى: ماذا؟!!
الأب: نعم. إنهم يا صغيرتي مثلك تماماً، كان لهم بيوتهم الجميلة، ومدارسهم التي يذهبون إليها وأصدقاؤهم الذين يلعبون معهم، وبسبب ظروف لا يد لهم فيها وجدوا أنفسهم في ظروف صعبة للغاية.
ليلى: ماذا تعني؟
الأب: أعني، تخيلي لو كنت مكانهم، ماذا كنت ترغبين بالحصول عليه؟
ليلى: أريد أن ألعب وأن أتعلم.
الأب: إذا يمكن أن تبدأي من هنا.
ليلى: سوف أقدم كل الألعاب التي مللت منها والتي لم أعد ألعب بها وأنوي التخلص منها.
الأب: هذا أمر جميل، ولكن ما هو هدفك من هذا المشروع أنت وأصدقاؤك؟
ليلى: لم أفهم؟
الأب: هل هدف المشروع أن تتخلصوا من فوائض ألعابكم أم أن تتشاركوا مع الأطفال في المخيمات بالسرور والفرح؟
ليلى: هدف المشروع أن نتشارك.
الأب: يا بنيتي، الخير يتحقق عندما تشاركين الآخرين بالأشياء التي تحبين والأشياء القريبة إلى قلبك. عندما نعطي الآخرين فنحن نعطيهم من أجل أنفسنا وليس فقط من أجلهم.
ليلى: كيف ذلك؟
الأب: عندما نشارك الآخرين بالأشياء التي نحبها فنحن ننتصر على رغبة التملك عندنا ونزكي أنفسنا نحن.
ليلى: ماذا تعني أن نزكي أنفسنا؟
الأب: أي نطورها ونجعلها أفضل وأكثر حباً ورحمةً وأقرب لفعل الخير.
ليلى: آه!
الأب: من خلال البذل نطور علاقتنا بالأشياء التي نملكها بحيث نتحكم بها نحن ولا تتحكم بنا هي.
ليلى: كيف تتحكم بنا الأشياء؟
الأب: عندما تكون حياتنا مركزة على تحصيل الأشياء وتجميعها فقط، سواء كانت ألعاباً أو أموالاً أو أشياء أخرى، فإن الأشياء تستحوذ علينا شيئاً فشيئاً وتفقد أنفسنا حريتها وتصبح تابعة لفكرة تملك الأشياء.
ليلى: وكيف نحتفظ بحريتنا فلا نصبح تابعين للأشياء؟
الأب: من خلال البذل والزهد.
ليلى: الزهد؟
الأب: أجل. الزهد هو أن نملك الأشياء في يدنا ولكن دون أن تتملك مشاعرنا وتسيطر على رغباتنا وتحتل قلوبنا، هو أن تكون قدرتنا على العطاء أقوى من رغبتنا بالتملك.
فكرت ليلى كثيرًا في المحادثة التي جرت مع والدها واتصلت مع نيڤين بشأن فكرة خطرت لها …
ليلى: كيف حالك يا نيڤين؟
نيڤين: الحمد لله يا صديقتي، بخير.
ليلى: عندي بعض الأفكار الجديدة، قررت أن أشارك من ألعابي التي أحبها وكل مدخراتي في حصالة النقود. وأنت يا نيڤين، هل عندك ألعاب ممكن أن تتخلي عنها بشأن المشروع الذي خططنا له؟
نيڤين: نعم، عندي الكثير. سوف أقدم قطع التركيب وبعضا من الدمى التي أحبها.
ليلى: وأنا أفكر بإهداء كتبي المفضًلة التي قرأتها، عندي كتب عن البراكين والفضاء والبحار أرغب بإرسالها أيضًا.
نيڤين: حلو! لقد تحدثت أيضاً مع كميل وجعفر بشأن الموضوع، هل تعلمين أنهم يقدمون سيارتهم وكراتهم والعديد من الكتب الجميلة التي يملكون.16
ليلى: هذا رائع، سوف أسأل والدي ونفكر بطريقة لتجميعها وإرسالها. سأتصل بك عندما تتضح الأمور.
نيڤين: ممتاز. بانتظار اتصالك.
عندما تحدثت ليلى مع والدها بما فكرت وقامت به مع أصدقائها كان وقع ذلك مؤثراً عليه، وتحدث مع أولياء أمور الأطفال الآخرين ومع أصدقائه وقاموا بحملة كبيرة لجمع التبرعات وإيصالها لأصدقاء بعيدين في المخيمات على أمل أن تمنحهم بعضاً من السرور.

كان صعباً على ليلى في البداية أن تتخلى عن ألعابها وكتبها ومدخراتها الأقرب إلى نفسها، ولكنها بعد أن شاركت بها شعرت بقوة كبيرة منحها إياها فهمها الجديد لعلاقتها مع الأشياء، وشعرت أنها صارت أكثر حرية وأكثر قدرة على الموازنة بين الرغبة بالتملك وبين القدرة على العطاء.
في ذلك اليوم فكرت ليلى كثيراً بالتجربة الرائعة التي مرت بها ثم كتبت كلمة “زهد” في دفترها بخط عريض.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *