ليلى وأبجدية الربيع – حرف الذال

12

كانت ليلى قد بدأت بتعلم ممارسة الديمقراطية في المرة الماضية واستطاعت أن تتوصل مع أصدقائها – من خلال المفاوضات والتنازل الإيجابي واحترام الآخر- إلى حل يحقق رغبة الأغلبية في الذهاب إلى مكان فيه طبيعة دون التعدي على مصالح الأقلية أو الإضرار بها، فكان خيار الرحلة إلى حديقة الحيوانات موفقاً وممتعاً للجميع ولم يتخلف عن تلك الرحلة أحد.

بعد ذلك بدأت ليلى بالتفكير فيما حدث من سجال واختلاف وطريقة الحل وفجأة خطر في بالها سؤال عجيب فجاءت إلى والدها تبحث عن الإجابة : بابا عندي سؤال، لماذا الناس مختلفون؟
الأب: ماذا؟!
ليلى: لماذا نحن مختلفون؟ لماذا لا نفكر جميعاً بطريقة واحدة ونرغب بالشيء نفسه؟ لماذا نختلف دائماً، حتى مع من نحب؟
الأب: هذا سؤال ليس من السهل الإجابة عليه يا ليلى، وقبل الإجابة عليه دعينا نفكر معاً!
ليلى: بماذا نفكر؟
الأب: ماذا لو كنا جميعاً نفكر بنفس الطريقة ونقوم بالأشياء نفسها؟!
ليلى: كنا سنكون متشابهين والحياة أسهل.
الأب: حقاً؟
ليلى: لم لا؟
الأب: تصوري أن يلبس الجميع نفس اللباس ويأكلوا نفس الطعام ويشاهدوا نفس البرامج ويقرأوا نفس الكتب ويتسوقوا من نفس المتاجر. تصوري أن الأطفال يتعلمون نفس المناهج تماماً، ويقرأون نفس الكتب. والكبار يعملون نفس العمل ويتصرفون بنفس الطريقة.
ليلى: أوه! هذا شيء ممل..
الأب: حتماً!
ليلى: ولكنك لم تجبني بعد، لم نحن مختلفون؟
الأب: قبل أن أجيبك على سؤالك أريدك أن تسألي أصدقاءك في الصف غداً عن رحلتكم إلى حديقة الحيوانات، أريد أن أعرف رأي كل منكم بالمكان ويصفه لي، ماذا تعني حديقة الحيوانات لكل واحد منكم؟
ليلى: حسن، هذا أمر سهل.
الأب: إذاً، سوف نتحدث غداً.

في اليوم الثاني هرعت ليلى بعد عودتها من المدرسة إلى والدها وبدأت بسرد روايات أصدقائها عن الرحلة …

ليلى: حسن يا بابا، هاك ما قال أصدقائي..
الأب: كلي آذان صاغية.
ليلى: كميل تحدث عن الألعاب الدوارة والأراجيح وقال بأنها أجمل رحلة ذهب إليها لأنه أمضى يومه كله يتنقل من لعبة إلى لعبة، وكذلك قال جعفر. الاثنان كانا سعيدين جداً..
الأب: جميل، هل هناك من شهادات أخرى؟
ليلى: نيڤين تحدثت كثيراً عن الطواويس والغزلان والببغاوات والقرود، حتى أنها أخذت صورة لها كلها.
الأب: وأنت؟
ليلى: بالنسبة لي أنا جربت الألعاب الدوارة قليلاً ولكن اهتمامي بحديقة الحيوانات كان مركزاً على الأسد والذئب والفهد والنمر؛ لقد أمضيت نهاري أراقبها وأتابع سلوكها. هل تعرف يا بابا أن الأسد من نفس فصيلة القطط على عكس الذئب الذي هو من فصيلة الكلاب؟
الأب: حقاً؟
ليلى: نعم، هكذا قرأت عنها!
الأب: جميل.
ليلى: الآن، قل لي، ما هي الإجابة على سؤالي: لماذا الناس مختلفون؟
الأب: حسن، سأحاول أن أبسط الإجابة بقدر المستطاع ولكني أعرف أنك ذكية وستفهمين ما أقول. كل منا يرى العالم بعينيه ويفهمه بعقله بحيث يبني كل منا تصوراً خاصاً به عن العالم.
ليلى: كيف ذلك؟
الأب: سأضرب لك مثلاً، أليست حديقة الحيوانات التي زرتموها واحدة؟
ليلى: أجل، إنها مكان واحد!
الأب: ولكن كما نقلت لي كان وصف كل منكم، أنت وأصدقاؤك، لنفس المكان مختلفاً!
ليلى: أجل!
الأب: هذا لأن لكل منكم اهتماماته وميوله وهواياته ورؤيته الخاصة. هذا ما نسميه بالذهنية أو الصور الذهنية.
ليلى: الصور الماذا؟
الأب: الصور الذهنية. بالنسبة لكل واحد منا، فإن الواقع الذي نحسه ونراه ندركه على شكل صورة ذهنية تتشكل في دماغ كل منا عن هذا الواقع. بمعنى آخر؛ العالم هو صورة ذهنية بالنسبة لنا.
ليلى: أمن أجل ذلك كان لكل واحد من أصدقائي وصفه الخاص واهتمامه الخاص في حديقة الحيوانات؟
الأب: أجل، تماماً. لكل فرد منا صورته الذهنية عن حديقة الحيوانات، عن مدينتنا أو حتى عن العالم كله، وهذه الصورة الذهنية غالباً ما تكون ناقصة أو معدلة بما يتناسب مع أهوائنا ورغباتنا وميولنا وشخصياتنا. كل واحد منا يصف جزءاً من الواقع. نحن مختلفون لأن كلاً منا يدرك جزءاً فقط من الكل، ومن الصعب أن يكون الجميع على نفس الوعي والاهتمام والإدراك حتى يكون للجميع نفس الصورة الذهنية المتطابقة. هذه حقيقة كونية، نحن مختلفون لأن كل واحد منا هو ذات مستقلة لها خصوصيتها وكينونتها.11
ليلى: ماذا تعني بكلمة ذات؟
الأب: الذات تعني التفرد والاستقلالية. مثلاً، أنت ذات مدركة لأنك تفكرين بحرية وتسألين وتبحثين عن الإجابات التي تدور في ذهنك أنت. أنت كيان واع ومستقل.
ليلى: شكراً يا بابا، أعتقد أني أكتفيت اليوم.
الأب: حسن يا حلوتي، لا أريد أن أعقد الأمور عليك، ولكن ما هي الخلاصة التي تعلمتِها اليوم؟
ليلى: لقد فهمت أننا من الطبيعي أن نكون مختلفين لأننا أفراد مستقلون وأحرار، وبأن لكل منا فهمه للواقع وللأمور بناء على صورته الذهنية عن ذلك الواقع.
الأب: تماماً يا حلوتي، أنت كما عهدتك ذكية ولماحة!

عند ذلك الوقت كان الحديث عن الذات والصور الذهنية قد أرهق ليلى قليلاً، ولكنها لم تنس أن تكتب هذه المفاهيم الجديدة في دفترها في صفحة حرف الذال.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *