ليلى وأبجدية الربيع – حرف الدال

9

كانت ليلى قد بدأت بالتعرف على معاني الإنسانية والحق والحرية والخَيار مما أثار مخيلتها وحفزها على اكتشاف طرق التعامل مع الآخرين وممارسة الأفكار الجديدة التي تعلمتها، وكانت الأحداث اليومية تشكل مجالات وتحديات لممارسة تلك الأفكار واختبارها.

ففي أحد الأيام كانت المدرسة بصدد تنظيم رحلة جماعية وقررت الإدارة إشراك التلاميذ في اختيار المكان الذي سيذهبون إليه وهنا بدأت الأفكار والاقتراحات والتجاذبات والمشادات تظهر بين التلاميذ، كل يريد أن يأخذ الجميع إلى المكان الذي يرغب به . وبعد نهار طويل وجدالات لا تنتهي فشل الطلاب في الاتفاق على اختيار مكان واحد يذهبون إليه وبالتالي قررت إدارة المدرسة إعطاء التلاميذ فرصة حتى اليوم التالي للتفكير والاتفاق وإلا
فإن الرحلة ستلغى.

عادت ليلى من المدرسة في ذلك اليوم غاضبة
وحانقة على بعض أصدقائها الذين يرغبون بالذهاب إلى مكان آخر غير الذي ترغب بالذهاب إليه هي، وحملتهم مسؤولية إمكانية إلغاء الرحلة .

الأب: ما بك يا صغيرتي، أراك على غير ما يرام!
ليلى (بشكل مقتضب وغاضب): لا شيء.
الأب: تبدين مهمومة، أتمنى أن لا يكون هناك شيء قد أزعجك في المدرسة.
ليلى: لا أريد الحديث عن الموضوع.
الأب: حسن، من حقك أن تحتفظي بما يزعجك لنفسك ولكن الصمت وتجاهل الموضوع لن يحل المشاكل، تعرفين هذا يا حلوتي !
ليلى: أعرف ولكني غاضبة جداً.
الأب: من ماذا؟
ليلى: من كميل وجعفر .
الأب: يا للهول! وماذا فعل كميل وجعفر؟
ليلى: هما يريدان الذهاب إلى حديقة الملاهي ومعهما بعض الطلاب، وأنا ونيفين نريد الذهاب إلى الطبيعة والجبال ومعنا بقية الطلاب.
الأب: أي أنكم منقسمون على أنفسكم؟
ليلى: نعم، ولكن أنا ومن معي أكثر!
الأب: كيف عرفتم أنكم الأكثر؟ هل قمتم بالتصويت؟
ليلى: تصويت؟ ماذا تعني بالتصويت؟
الأب: سأشرح لك بعد قليل، ولكن أولاً قولي لي هل حاولتِ إقناعهم برأيك؟
ليلى: نعم. عبثاً حاولت !
الأب: هل حاولتِ أن تستمعي إلى رأيهم؟
ليلى: نعم.
الأب: حسن، ماذا قالوا؟ لماذا لا يريد كميل مثلاً أن يذهب إلى الطبيعة؟
ليلى: لأنه يحب ركوب الألعاب الدوارة في مدينة الملاهي!
الأب: وجعفر؟
ليلى: جعفر يقول أنه لا يستطيع الخروج إلى الطبيعة لأن لديه حساسية فهو مصاب بالربو، وأيضاً هو يفضل أن يلعب مع كميل صديقه المفضل!
الأب: حسن، وماذا كان رأي الإدارة؟
ليلى: قالوا لنا إما أن نتفق أو تُلغى الرحلة!
الأب: ولذلك أنت حزينة؟ تريدين أن تتم الرحلة وتريدين أن تذهبوا جميعاً إلى حيث ترغبين أنت؟
ليلى: نعم.
الأب: أنا عندي اقتراح لك قد يساعدك!
ليلى: ما هو؟
الأب: الديمقراطية.
ليلى: ماذا تعني بذلك؟ كيف أستطيع أن أذهب إلى الجبال بالديمقراطية؟!
الأب (ضاحكاً): ليس بالضرورة أن تذهبي إلى الجبال، ولكنك لن تخسري الرحلة
ليلى: ماذا؟
الأب: أولاً، أقترح أن تعملوا تصويتاً على مكان الرحلة والرأي الذي يحصل على أكبر عدد من الداعمين يكون هو الرأي الرابح!
ليلى: ولكني قلت لك أننا أكثر منهم!
الأب: ربما تكونين على حق، ولو أنني لا أحب كيف بدأتِ بتقسيم أنفسكم بين نحن وهم؛ ولكن هناك نقطة أخرى مهمة يجب أن نأخذها بعين الاعتبار قبل أن نحسم الأمر!
سألته ليلى: وما هي؟
الأب: صحة جعفر !
سألت ليلى: ماذا تقصد؟
أجابها الأب: حتى لو كان الرأي بالذهاب إلى الجبال هو الحائز على الأصوات الأكثر، هناك واجب عليكم ألا يُظلم أحد. إذا ذهبتم إلى الجبال فإن جعفر سيكون في ورطة، إما أن يذهب معكم وقد يصاب بأزمة صحية أو أن يضطر أن يبقى وحيداً في المنزل ويخسر الرحلة لسبب ليس له يد فيه!
تمتمت ليلى: لم أفكر بالأمر بهذه الطريقة!
الأب: لا يكفي أن نكون أكثرية حتى ننفذ كل ما نرغب به ونتجاهل ظروف الآخرين ومشاكلهم. علينا أن نكون خلاقين في إبداع الحلول وإتقان فن التفاوض والتنازل الإيجابي.
ليلى: التنازل الإيجابي !!
الأب: نعم، التنازل الإيجابي. يعني أن يكون من حقك أن تقومي بشيء، إما لأنك جزء من الأكثرية أو لأن القانون يتيح لك ذلك، ثم تعدلين خيارك قليلاً لكي تعم الفائدة على البقية من أصدقائك دون أن تخسري أنت شيئاً. أنا أتفهم أنكم أكثرية، ومن حقكم إن ربحتم التصويت أن تذهبوا وتتركوا جعفر خلفكم ولكن هل هذا حقاً ما تريدون؟
ليلى: ليس تماماً، لا .
الأب: لو قررتم أن تذهبوا إلى الجبال وتجاهلتم وضع جعفر فإنكم قد تخسرون وجوده معكم وربما يكون كميل منزعجاً أيضاً بسبب غياب صديقه المقرب، وهكذا لن تكون الفرحة عامة ولن تكون الفائدة للجميع.
ليلى: ماذا تقترح إذاً؟
الأب: هل هناك مكان آخر يجمع بين الطبيعة من جهة وبين الألعاب والملاهي من جهة أخرى؟
ليلى: لا أدري، دعني أفكر …
الأب: ماذا عن حديقة الحيوانات؟ هناك قسم فيه شيء من الطبيعة والحيوانات، وهناك قسم فيه الكثير من الألعاب!
ليلى: آه، هذه فكرة ذكية!
الأب: هل أعجبتك؟
ليلى: كثيراً !10
الأب: إذاً عليك أن تقنعي أصدقاءك بها غداً بحيث تتحقق سعادتكم ومصالحكم جميعاً
ليلى: ولكن، ماذا لو لم يكن هناك خيار حديقة الحيوانات؟ ماذا كنا سنفعل؟
الأب: كان أمامكم إما أن تلغوا الرحلة ويخسر الجميع، أو أن تطبقوا مبدأ الأكثرية وتخسروا وجود جعفر معكم وهذا ما قد يحزنه ويجعل فرحتكم غير مكتملة. ولكن الخير في أن نجد الحلول التي تحقق رغبة الأكثرية بدون أن تظلم الأقلية، وهذا هو التحدي الديمقراطي يا حلوتي.
ليلى: سوف أتذكر ذلك جيداً يا بابا، شكراً لك على الأفكار والحلول!
الأب: أتمنى أن تتفقوا غداً على مكان يناسب الجميع!
ليلى: سنفعل، أعدك.

وذهبت ليلى سعيدة إلى فراشها في تلك الليلة بعد أن كتبت كلمة “ديمقراطية” بخط عريض في دفترها الصغير وهي تتخيل رحلتها الممتعة القادمة مع جميع أصدقائها بدون استثناء راكبين في حافلة الرحلة المدرسية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *