ليلى وأبجدية الربيع – حرف الخاء

 

7

كان ما حدث مع ليلى ورفاقها في المدرسة قد علّم ليلى درساً قيماً عن معنى الحرية وحدودها وضوابطها، فقد اكتشفت أن الحرية تتحول إلى ظلم وتجاوز عندما تتعدى على حقوق الآخرين وبالتالي تعلمت حكمة مهمة في الحياة وهي “عاملي الناس كما تحبين أن يعاملوك”.
ولكن الاعتذار العلني الذي كان يجب أن تقدمه في المدرسة والإحراج الذي أصابها كانا قد أثرا فيها قليلاً، وبدأت تفكر أنها قد أخطأت لأنها تجاوزت حدود حقوق الآخرين، ولكن ماذا لو عملت شيئاً من باب حريتها الخاصة دون أن تنال من حقوق الآخرين؟!
بدأت ليلى تبحث عن حدود حريتها والأفعال التي تستطيع القيام بها دون المساس بحقوق الآخرين. كانت كل تلك الأفكار تدور في خلد ليلى وهي في الفراش ثم لمعت في ذهنها فكرة عجيبة وقررت أن لا تذهب إلى المدرسة في اليوم التالي، وأن لا تكتب وظائفها وأن تمضي الوقت كله في مشاهدة التلفاز
في صباح اليوم التالي
كانت ليلى قد حزمت أمرها وقررت ممارسة حريتها وامتنعت عن الذهاب إلى المدرسة. قرر والدا ليلى عدم إجبارها على الذهاب إلى المدرسة وتركاها تقوم بما رغبت به في ذلك اليوم لغاية في نفسيهما !
أمضت ليلى اليوم كله أمام التلفاز وفي نهاية النهار بدا عليها الخمول والكسل والسلبية ورغم أنها لم تقم بأي عمل مجهد إلا أنها شعرت بأنها فقدت نشاطها جسدياً وذهنياً فبقيت مستلقية تشاهد أفلام الكرتون حتى عاد والدها من العمل،فسألها:
– كيف كان يومك يا ليلى؟
أجابته ليلى: لا بأس!
الأب: ماذا تعنين بـ لا بأس؟
ليلى: أعني أنه يوم عادي.
الأب: هل كنت سعيدة ببقائك في المنزل؟
ليلى (بلا مبالاة): نعم.
الأب: حسن، وما هي السعادة التي شعرت بها؟
ليلى: لقد قمت بما أرغب به!
الأب: وهل هذا كافٍ لتكوني سعيدة؟
ليلى: نعم.
الأب: وهل تعتقدين أنك مارستِ الخيار الصائب؟
ليلى: ماذا تعني بالخيار الصائب؟
الأب: أنتِ قررتِ أن تمارسي حريتك دون التعدي على حقوق الآخرين، وقمت بما تظنين أنه يخصك وحدك ويؤثر عليك وحدك فرفضتِ الذهاب إلى المدرسة. صحيح؟
ليلى: تماماً، أنا لم أتعدَّ على أحد!
الأب: أعرف. أن تبقي في المنزل وتشاهدي التلفاز طوال اليوم هو قرار اخترتِه ومارستِه بحرية. أليس كذلك؟
ليلى: نعم.
الأب: هذا ما نسميه خياراً، أن نختار بين عدة أمور واردة. ولكن هل كان خيارك هو الأفضل لك؟
ليلى: أعتقد ذلك!
الأب: وعلى أي أساس تعتمدين في تقرير صحة اختيارك؟
ليلى: على أساس أني لا أرغب بالذهاب إلى المدرسة وأني لم أضر أحداً ببقائي في المنزل وأني أمارس حريتي.
الأب: حسن. تخيلي لو بقيتِ طول عمرك في المنزل ورفضتِ الذهاب كل يوم إلى المدرسة، ماذا سيحدث؟
انصدمت ليلى من السؤال لأنها لم تكن قد فكرت بالأمر بهذه الطريقة …
ليلى: لا أعرف! ماذا سيحدث؟
الأب: تخيلي أن يتعلم أصدقاؤك ويتطوروا ويكبروا ليحققوا أحلامهم في الحياة وتبقي أنت دون تقدم في المعرفة والذكاء. تخيلي أن تبقي طول عمرك أمام التلفاز تشاهدين أفلام الكرتون وتأكلين البطاطا المقلية وتشربين الكولا كما فعلت اليوم. هل هذا خيارك في الحياة؟
تسلل الخوف إلى قلب ليلى لأنها تعتز بذكائها وتفوقها وشعرت للحظة أنها قد تفقد شيئاً غالياً عليها لم تكن قد فكرت أنها قد تخسره بهذه السهولة نتيجة خياراتها، فأجابت: لا، ليس هذا خياري في الحياة. أنا لا أريد أن أكون فاشلة!
الأب: حسن، هذا ما عنيت به عندما سألتك عن الخيار الصائب.
صمتت ليلى وشعرت بالإحراج والضيق، وبدأت تحس بالحزن، فهي لا تريد أن تفرط في مستقبلها ولكنها أيضاً تشعر أنها ترغب بممارسة حقها وحريتها كما تريد. شعر والد ليلى بما تحس به، وعرف ما يجول في ذهنها، فقال لها:
من حقك يا ليلى أن تمارسي خياراتك في الحياة ولكن المعيار الذي نتخذ على أساسه قرارتنا وخياراتنا هو المنفعة والفائدة، المعيار الحقيقي لقرارتنا هو الخير. صحيح أننا نملك أن نختار بحرية كاملة أن نقوم بأشياء معينة، وصحيح أن هذه الأشياء قد لا تضر أحداً ولا تتجاوز حدود حقوق الآخرين ولكن هذا ليس فقط المعيار الوحيد الكافي، علينا أيضاً أن نفكر بنتائج خياراتنا. هل ما نقوم به يؤدي إلى خيرنا وخير الآخرين على المدى الطويل؟ هل ما نقوم به فيه فائدة؟ هل فهمتِ قصدي؟
ليلى: أعتقد ذلك.
الأب: أنا أعرف أنك محرجة قليلاً من الشغب والضوضاء الذي أحدثتموه في المدرسة يا حبيبتي، لقد كان خطأً واعتذرت عليه، أليس كذلك؟
ليلى: نعم!
الأب: عندما نتعلم من الأخطاء تتحول إلى معرفة إيجابية تفيدنا!
ليلى: كيف؟
الأب: مثلاً، ها أنت قد تعلمت مما حدث أن لا تتجاوزي حدود الآخرين وحقوقهم، أليس كذلك؟
ليلى: نعم.
الأب: هذا ما أعنيه أننا نتعلم من الخطأ. علينا أن لا نخاف من أن نخطئ وهو بصراحة أمر لا يخشى عليك منه.
ضحكت ليلى ووالدها معاً فكلاهما يعرف كم هي جريئة ليلى ومندفعة، وتابع الأب: ولكن في المقابل، والأمر المهم جداً هو أننا يجب أن نعترف بخياراتنا الخاطئة عندما نكتشف أنها كذلك، ويجب أن نربي أنفسنا على شجاعة تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ.
سألت ليلى: هل تقصد أن اعتذارنا في المدرسة أنا وأصدقائي كان شجاعاً؟
الأب: طبعاً كان شجاعاً، ولكن الأهم هو أن لا يتكرر الأمر وهنا تكمن الشجاعة الحقيقية، أن نربي أنفسنا على التعلم من الخطأ. هذه علاقة هامة جداً بينه وبين حرية الاختيار.
تساءلت ليلى: كيف؟
الأب: لكي نتعلم ونتطور في الحياة نحن بحاجة إلى الحرية لكي ننتقي بين خيارتنا ونمارسها؛ وبالمقابل، نحن بحاجة إلى التفكير في نتائج خياراتنا وتقييمها هل هي خير أو أنها خاطئة. أن نختار وأن نتحمل مسؤولية خياراتنا هو جوهر التعلم والتطور. بدون الحرية لا يمكن أن نختار، وبدون المراجعة والتقييم لا يمكن أن نتعلم ونتطور وننمو. ربما تعقدت الأمور قليلاً عليك يا صغيرتي، أليس كذلك؟
ليلى: لا، ليس كثيراً، أنا أفهم عليك.8
الأب: ماذا فهمت، هات حدثيني!
ليلى: أعتقد أنني أخطأت عندما شاغبت في المدرسة، ولكني تعلمت مما حدث ولن أكرره. وأعتقد أني أخطأت بعدم الذهاب إلى المدرسة اليوم يا بابا لأني خسرت دروساً تعلمها أصدقائي ولأني أضعت وقتي أمام التلفاز.
الأب: حسن، وماذا ستفعلين لكي تعوضي ما فاتك؟
ليلى: سوف أتدارك الأمر غداً في المدرسة.
الأب: حسن، تذكري أننا عندما نتعلم من أخطائنا تتحول إلى معرفة إيجابية وإذا لم نكررها نستفيد منها.
ليلى: لن أنسى ذلك.

الأب: حسن، بما أنك لم تذهبي إلى المدرسة اليوم لنعتبر حديثنا هذا درساً في اللغة. أين كنا قد وصلنا في الأحرف؟
ليلى: وصلنا عند حرف الخاء.
الأب: حسن، وظيفتك اليوم أن تتذكري الكلمات التي تبدأ بحرف الخاء من حديثنا وأن تكتبيها على ورقة!
ليلى: سأفعل.
تحسنت نفسية ليلى كثيراً وارتفعت روحها المعنوية بعد أن تعلمت أن لا تخاف من الخطأ طالما أنها تملك الشجاعة على الاعتراف به والتعلم منه، وفهمت أن حرية الاختيار لا تكتمل إلا عندما تكون مرتبطة بتعلم عواقب الخيارات ومنافعها.
ذهبت ليلى وأحضرت قلماً وورقة وكتبت عليها: خَيار، خير، خطأ، خوف ..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *