كان الحديث عن الثورة والحرية قد استهوى ليلى وسيطر على تفكيرها؛ فبدأت ليلى تحس بقوة خفية وحافز داخلي في نفسها يدفعانها لممارسة حريتها وشعرت برغبة ملحة لتجربة شعور التحدي والثورة. في المدرسة، وبعد تشاور وتحاور، قررت ليلى مع أصدقائها أن يمتنعوا جميعاً عن تنفيذ تعليمات المدرسة بالتزام الهدوء واتفقوا على ممارسة حريتهم في الغناء والصراخ والقفز بغض النظر عن ما حدث من إثارة للضوضاء وافتعال للشغب الذي نتج في الصف؛ وهكذا كان.
في نفس اليوم، أرسلت إدارة المدرسة رسالة إلى والدي ليلى وأولياء بقية الأطفال تشرح فيه الإدارة تفاصيل ما حدث وتطلب تعاون الأهل لضمان التزام الطلاب بالقوانين المدرسية …
الأب: ماذا حدث اليوم في المدرسة يا ليلى؟
ليلى: ماذا حدث؟
الأب: هل حاولت أنت وأصدقاؤك أن تقوموا بشيء ما؟
ليلى: لماذا؟ من قال هذا؟
الأب: لدي رسالة من المدرسة تقول بأنك كنت طرفاً في شغب وضوضاء حصلت اليوم في المدرسة وشوشت على بقية الصفوف. كيف حدث هذا؟
ليلى: لم نقصد أن نقوم بالإزعاج، ولكننا كنا نمارس حريتنا في وقت فراغنا في الصف
الأب: وماذا تعني الحرية يا ليلى؟
ليلى: الحرية تعني أن نقوم بما نرغب به، أن نكون أحراراً في أن نفعل ما نريد.
الأب: حقاً؟
ليلى: نعم، أليست هذه هي الحرية؟ أليس من حقنا أن نكون أحراراً؟
الأب: هذا معنى ناقص للحرية يا بنيتي، ومشوه أيضاً.
ليلى: ماذا تعني بناقص ومشوه؟
الأب: الحرية لا تعني أن نقوم بما نرغب به بشكل مطلق، لأن الحرية مسؤولية مثلما هي حق !
ليلى: لا أفهم يا بابا !
الأب: عندما نمارس ما نظنه حقنا وبطريقة أنانية نهتم بحريتنا فقط دون مراعاة حرية الأخرين وحقوقهم فإننا لا نمارس الحرية بل نشوهها، عندما نعتدي على حرية الآخرين وحقوقهم فنحن نظلمهم ونتعدى حدود حقنا.
ليلى: ولكن كيف تعدينا على حقوق الآخرين في الصف؟
الأب: ما قمتم به كان صاخباً وأصدر الكثير من الضوضاء أليس كذلك؟
ليلى: ربما..
الأب: ألم يزعج ذلك الصفوف المجاورة ويعكر هدوء المدرسة؟!
ليلى: لا أعرف !
الأب: حسناً، تخيلي لو صدرت ضوضاء من الصف المجاور وأنتم في درس القراءة تحاولون أن تتعلموا كلمات جديدة، هل ستكونين وأصدقاؤك مسرورين؟
ليلى: لا، نحن نحب الهدوء في درس القراءة، هذا مهم حتى نستطيع سماع صوت المعلمة.
الأب: ولو حدثت الضوضاء من الصف المجاور، هل كنت ستعتبرين تصرفات أولئك الطلاب حرية وحقاً لهم أم كنت سوف تنزعجين؟
ليلى: كنت سأنزعج !
الأب: لماذا؟
ليلى: لأنه من حقنا أن نقرأ بهدوء!
الأب: إذا، أليس من حق الصف المجاور أن يقرأ بهدوء أيضاً؟
ليلى: أجل. معك حق.
الأب: الحرية يا حلوتي لا تكتمل إلا باحترام حرية الآخرين ومراعاة حقوقهم.
ليلى: ولكن كيف أعرف أين حدود الآخرين وحقوقهم؟
الأب: الأمر بسيط، ضعي نفسك في مكانهم !
ليلى: كيف؟
الأب: عاملي الناس كما تحبين أن يعاملوك. أعط الناس نفس الحق الذي تعطيه لنفسك، عندها سوف تعرفين إن كنت تتعدين على حقوقهم بممارستك حريتك أم لا. عندما تقومين بأي عمل، توقعي أن يقوم الآخرون بنفس العمل تجاهك، فكري بهذه الطريقة وسوف تتجنبين الكثير من سوء ممارسة الحرية
ليلى: ولكن هذا صعب !
الأب: ربما يكون صعباً في البداية، ولكن مع التدريب نتعلم كيف نفكر بالآخرين كما نفكر بأنفسنا ونحكم بالحق من عند أنفسنا. إن هذا أمر مهم جداً، فاحترام حقوق الآخرين هو ميزان الحرية.
ليلى: ولكن ما هي حقوق الآخرين؟
الأب: كل ما يحقق كرامة الإنسان ويحفظ قيمته هو حق. يمكن أن يكون حقا كبيرا كحق الحياة أو أن يكون حقا بسيطا كحق الهدوء والسكينة.
ليلى (مبتسمة): لم أكن أعرف أن الحرية صعبة الممارسة إلى هذه الدرجة !
الأب: الحرية مسؤولية قبل أن تكون حقاً، الحرية في جوهرها هي تقدير ذواتنا وتقدير الآخرين في نفس الوقت. عندما نحترم حقوق الآخرين كما نرغب أن يحترمون حقوقنا فإننا نجعل ممارسة الحرية ممكنة وإيجابية. أما عندما نتصرف بشكل أناني وفردي دون مراعاة الآخرين فنحن نعتدي ونظلم.
ليلى: لن نكرر المشاغبات التي حدثت اليوم !
الأب: لا يكفي هذا، عليكم أن تعتذروا من المديرة غداً .
ليلى: سوف نفعل .
الأب: وتذكري دائماً القاعدة الذهبية “عاملي الناس كما تحبين أن يعاملوك”
ليلى: شكراً يا بابا.
الأب: شكراً لك أيضاً ولأصدقائك، أنتم أذكياء وتتعلمون الأفكار بشكل راسخ. أنا فخور بك
قبلت ليلى والدها وانصرفت إلى واجباتها وهي تردد في نفسها: “عاملي الناس كما تحبين أن يعاملوك” وحاولت أن تتذكر كلمات اليوم التي تبدأ بحرف الحاء: حرية، حق، حياة.