ليلى وأبجدية الربيع – حرف الجيم

3

كان الحديث عن الثورة قد شغل بال ليلى كثيراً وجعلها تفكر كيف تنطلق تلك الطاقة الهائلة بين الناس وكيف يحدث التغيير في المجتمع، وعندما بدأت تحس أن الموضوع أكبر من فهمها وإدراكها كان الوقت قد تأخر ولم تنتبه أنها
سهرت كثيراً
في صباح اليوم التالي تأخرت ليلى على غير عادتها عن موعد استيقاظها المعتاد، ونادتها أمها “يا لولو، استيقظي يا حبيبتي حتى لا تتأخري عن موعد المدرسة” ولكن ليلى وجدت صعوبة بالغة في فتح عينيها ومغادرة فراشها وبذلت جهداً مضاعفاً لتحضير نفسها للمدرسة.
مساء بعد المدرسة، كانت ليلى متعبة ولكن الأسئلة لم تفارقها وحاولت أن تستوضح من والدها …
ليلى: بابا!
الأب: نعم يا صغيرتي !
ليلى: هناك الكثير مما لا أفهمه من حديثنا السابق !
الأب: مثل ماذا؟
ليلى: أنت قلت أن الإكراه يحدث عندما يحاول طرف أن يفرض نفسه بالقوة
الأب: صحيح
ليلى: وأن الثورة تحدث بسبب هذا الإكراه
الأب: نعم
ليلى: وأن الغاية من الثورة هي الحرية ومنع الظلم
الأب: أجل، قلت هذا
ليلى: حسن، كيف يمكن أن نمنع الظلم ونحقق الحرية؟
الأب: حقاً يا ليلى، هذا سؤال ليس سهلاً ولكن..
ليلى: ولكن ماذا؟
الأب: ولكن يمكن أن نبحثه ونشرحه على مراحل
ليلى: حسناً لنبدأ
الأب: أجل. في البداية وقبل كل شيء، هناك أمر مهم يجب أن يتحقق لكي ننجح في أية محاولة، وهذا ينطبق على كل شيء في الحياة
ليلى: ما هو هذا الأمر يا بابا؟
الأب: بذل الجهد
ليلى: الجهد؟ ماذا يعني الجهد؟
الأب: بذل الجهد يعني أن نقوم بالعمل رغم الصعوبات ورغم التحديات. مثلاً، أنت تجدين صعوبة في الاستيقاظ المبكر صباحاً للذهاب إلى المدرسة. صح؟
ليلى (مبتسمة): نعم، خاصة عندما لا أنام مبكراً
الأب: هل تتذكرين شعورك عندما تغادرين الفراش وأنت لا تزالين ترغبين بالنوم؟ليلى: أجل، أجل. أمر صعب!
الأب: أن تقومي بعمل شيء رغم أنك لا ترغبين به، أو أنك تجدين صعوبة في القيام به هو ما يدعى بذل الجهد. هل تعرفين لماذا تقومين بهذا؟
ليلى: لأن ماما ستغضب إذا تأخرت على المدرسة.
الأب (ضاحكاً): نعم، نعم. ولكن ليس هذا ما أقصده.
ليلى: ماذا تقصد إذاً؟
الأب: أقصد لماذا تذهبين إلى المدرسة وتتحملين عناء الدراسة؟
ليلى: لأني أريد أن أكون ناجحة في الحياة، أريد أن أحقق أحلامي!
الأب: تماماً، ما ينطبق عليك ينطبق على المجتمع، علينا بذل الجهد لكي نطور أنفسنا ولكي نتغلب على المصاعب التي تواجهنا، سواء كنا أفراداً أو جماعة.
ليلى: أنا أدرس كثيراً، وأنام مبكراً وأستيقظ مبكراً، أنا أبذل جهداً، صحيح؟
الأب: بالنسبة لك، نعم صحيح
ليلى: حسناً، كيف يمكن أن تبذل الجماعة الجهد؟
الأب: بطرق كثيرة، بالتواصل والتعاون مثلاً. عندما يجتمع أشخاص ويشكلون منظمة لمنع الظلم ومراقبة المخالفات وكشف الحقيقة، هذا جهد. عندما يعملون معاً لمساعدة الفقراء والمحتاجين، هذا جهد. عندما يكتبون، يتظاهرون، يدافعون عن الضعفاء، يكسبون ويتبرعون، كل هذه الأعمال متعبة وتحتاج إلى جهد.
ليلى: عندما ألعب مع أصدقائي أتعب. هل هذا جهد أيضا؟
الأب (مبتسماً): طبعا هذا جهد، لعبك مع أصدقائك يعلمك كيف تتصرفين بين الجماعة، يعلمك مهارات اجتماعية، يعلمك كيف تحلين مشاكلك مع أصدقائك عندما تختلفون في اللعب، ويعلمك كيف تتشاركين معهم في المرح، وهذا كله يحتاج إلى جهد.
ليلى: هل هذا يعني أن الجهد يمكن أن يكون ممتعاً أحياناً؟
الأب: أجل، ومن الممكن أن يكون جهداً عقلياً أو جسدياً أيضاً
ليلى: كيف؟
الأب: التفكير وإيجاد الحلول للمشاكل هو أحد أنواع بذل الجهد.
ليلى: أه، الآن فهمت .
الأب: في الحياة يا صغيرتي لا يمكن أن نحقق أية غاية مهمة دون بذل الجهد ودون أن نتعب وأن نصبر !
ليلى: حسن، بدأت أفهم قليلاً، ولكن هناك أشياء لا تزال صعبة علي !
الأب: قولي لي، مثل ماذا؟
ليلى: لماذا الأشياء المهمة صعبة؟ لماذا يجب أن نبذل الجهد لكي نمنع الظلم مثلاً؟ لماذا لا تكون هذه الأشياء سهلة للجميع؟
الأب: معك حق يا حلوتي. ولكن الإنسان بدأ ضعيفاً عارياً جائعاً في الغابة، يطارد الحيوانات وتطارده، ثم تطور شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى ما نحن فيه الآن. تاريخنا هو محاولات للتغلب على الجهل وإيجاد الحلول للمشاكل عن طريق العقل، هل تذكرين هذا، الأمانة التي تحدثنا عنها؟
ليلى: أجل، أذكر
الأب: إن الظلم والإكراه يحدثان بسبب الجهل، جهل الإنسان بأخيه الإنسان، وعدم معرفته بطبيعته وبأحسن الطرق للتعامل معه. وهذا له تاريخ طويل، وتغييره يتم ببذل الجهد والصبر
ليلى: كيف يحدث الإكراه بسبب الجهل؟4
الأب: الذي يكره الآخرين يظن أنه بالقوة قادر على تحقيق رغباته ولكنه يجهل أن الإنسان يرفض الظلم ويتوق إلى الحرية ويفعل أي شيء في سبيلها، هذه هي طبيعته
ليلى: وكيف يمكن التغلب على الجهل؟
الأب: بالمعرفة، بالعلم، بالعمل، بالجهد، بالصبر. نحن نحب أن نرى الأشياء تحدث بسرعة، ولكن التطور والتغيير يأخذ وقتا، وهكذا الثورة أيضا، تحتاج إلى وقت وإلى جيل جديد ينشأ فيها
ليلى: هل يعني هذا أننا سننتظر طويلاً حتى يزول الظلم من العالم؟الأب: العالم تغير كثيراً، ولكن ببطء. وكلما بذلنا جهدا أكثر في نشر العلم وإزالة الجهل يعم العدل بشكل أسرعليلى: يعني يجب أن نعمل طوال العمر؟الأب: أجل، من أجل الأجيال القادمة، كما عمل الذين من قبلنا من أجلنا. لولاهم لكنا الآن لا نزال في الغابة نطارد الوحوش وتطاردناليلى: واو. معك حقالأب: حسن، أي حرف كنا قد وصلنا إليه؟ليلى: نسينا! إنه حرف الجيم!الأب: لا لم ننس. لقد تحدثنا بعدة كلمات تبدأ بحرف الجيم، هل تذكرين بعضها؟ليلى: جهد، جماعةالأب: جيل، جديد وجهل أيضا كلمات تبدأ بحرف الجيم وكانت مهمة لقصة اليومليلى: معك حق! شكرا يا بابا
قالت ليلى ذلك وذهبت تفكر بما تعلمته اليوم وتردد: جهد، جديد، جماعة …

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *