بدأَتْ ليلى تتشوقُ إلى جلساتِها مع والدها كلَّ يومٍ لتتعلمَ شيئاً جديداً عما يحدثُ في العالم. وبعد أن تعرَّفتْ ليلى على معنى كلمةِ “تعدُّدية”، بدَتْ متشوقةً لتكتَشِفَ كلمةً جديدةً في أبجديةِ فجلسَتْ بعدَ أنْ أتمَّتْ واجباتِها المدرسيةَ وقالَتْ لوالِدها … ليلى: بابا ! الأب: نعم يا ليلى ! ليلى: لقد وصَلْنا إلى حرفِ الثاءِ يا بابا، وأنا أعرفُ الكلمةَ التي أريدكَ أنْ تحدثَني عنها الأب: حقاً ؟ ما هي الكلمةُ التي ترغبينَ بالحديثِ عنها وتبدأُ بحرفِ الثاء؟ ليلى: إنَّها كلمةُ ثورة يا بابا . الأب: أحسنْتِ الاختيارَ يا ليلى، فالثورةُ بحقٍ تكمنُ في قلبِ الربيعِ العربي . ليلى: حسنٌ يا بابا، حدثني عن الثورةِ . الأب: الثورةُ يا صغيرتي هي طاقةٌ هائلةٌ، هل تعرفينَ مِنْ أينَ جاءَتْ الكلمةُ أصلاً؟ ليلى: لا، لا أعرفُ ! الأب: حسنٌ، سأضربُ لكِ مثلاً. هل تعرفينَ البركانَ يا ليلى؟ تذكَّرتْ ليلى درسَ الجغرافيا في المدرسةِ وتذكَّرتْ كيفَ أنَّ الزلازلَ والبراكين تحدثُ في الطبيعةِ وأنَّها تملِكُ طاقةً هائلةً وكبيرةً ليلى: نعم يا بابا، أنا أعرفُ البركانَ . الأب: هل تعرفينَ ماذا يخرجُ من البركانِ يا ليلى؟ ليلى: النارُ، النارُ هي التي تخرجُ من البركانِ . الأب: هذه النار تسمى الحِمَمْ. عندما تخرجُ الحِمَمُ من فوهةِ البركانِ ماذا نقول؟ ليلى: ماذا نقول؟ الأب: نقولُ البركانُ ثارَ، وتدعى هذه الحادثةِ بثورةِ البركان ليلى: آه! الأب: الثورةُ تحْدُثُ يا ليلى عندما تكونُ هناكَ طاقةٌ كامنةٌ ومحبوسةٌ لوقتٍ طويلٍ، هذا يحدثُ في الطبيعةِ مع البراكينِ والزلازلِ ويحدثُ في حياةِ المجتمعِ بين الناسِ أيضاً ليلى: ولكن لماذا يحدثُ هذا بينَ الناسِ؟ الأب: لكي أُجيبَكِ عن هذا السؤال علينا أن نتَذَكَّر موضوعَنا السابقَ عندما تحدَّثْنا عن حرفِ التاء؟ ليلى: كانَ موضوعُنا عنِ التعدُّدِية يا بابا . الأب: وتذكرُينَ كيفَ تحدثْنا عنِ التعدُّدِية؟ ليلى: نعم، التعدُّدِيةُ هي أنْ نكونَ مختلفين وأنْ نحترِمَ اختلافَنا . الأب: جيد، الاختلافُ والتعدُّدِيةُ هي طاقةُ المجتمعِ التي تحرِّكُهُ وتعطِيه حيويَّتَه ونشاطَه، أليسَ كذلك؟ ليلى: بلى الأب: عندما تُحْبَسُ هذهِ الطاقةُ الهائلةُ وتُمْنَعُ التعدُّدِية والتنوّعُ بينَ الناسِ يتحوَّلُ المجتمعُ إلى بركانٍ ينفجرُ في لحظةٍ معينةٍ ! ليلى: ولكن كيفَ يمكنُ أنْ تُحْبَسَ التعدُّدِية يا بابا؟ الأب: عندما لا يُحْتَرَمُ الاختلافُ بينَ الناسِ، ويحاولُ طَرَفٌ أنْ يَفْرِضَ رأْيَهُ ونفسَهُ على الآخرين بالقوةِ وبالإكراهِ، عندها يبدأُ المجتمعُ بالتحولِ إلى بركانٍ كامنٍ ليلى: ولكنْ، أنا لا أفهمُ، كيفَ يمكنُ أن يَحْدُثَ هذا؟ الأب: هل تذكرينَ كيفَ تحدَّثْنا عن اختلافِ الألوانِ وتنوّعها وأنَّ الجمالَ والإبداعَ يكونُ بوجودِها كلِّها؟ ليلى: نعم، أتذكَّرُ جيداً . الأب: عندما يحاولُ لونٌ واحدٌ أنْ يمْحوَ كلَّ الألوانِ الأخرى أو أنْ يطْغى عليها أو أنْ يمنَعَها من الظهورِ، عندَها يحدُثُ الإكراهُ. ليلى: ومن يقومُ بهذا العملِ البَشِعِ يا بابا؟ الأب: يقومُ بهِ مَنْ لا يؤمنُ أنَّ التنوعَ والاختلافَ فيه الخيرُ والجمالُ، يقومُ بهِ كلُّ مَنْ يظنُّ أنَّهُ يمتَلِكُ الحقيقةَ المطلقةَ ليلى: ماذا تعني يمتَلِكُ الحقيقةَ المطلقةَ؟ الأب: يعني أنَّهُ يظُنُّ نفْسه على حقٍ وعلى صوابٍ دائماً وأنَّ غيرَه على خطأٍ دائماً ليلى: ولكنْ كيفَ هذا؟ الأب: أحياناً يقومُ بهذا أناسٌ لأنَّهم يعتقِدون أنَّهم الأقربُ إلى اللهِ مثلاً وأن فهْمَهم له هو الحقيقةُ المطلقةُ. أحياناً يقومُ بهُ أناسٌ في السلطةِ يعتقِدون أنَّ حزبَهم هو الأفضلُ وأنَّ رأيَهم هوَ الصَوابُ دونَ أنْ يُعْطوا فرصةً للآخرين . ليلى: كيف؟ الأب: مثلاً، السلطةُ تَسْجُنُ كلَّ مَنْ ينتَقِدُها وتُحارِبُه. تَسْجُنُ الفنانين، تَسْجُنُ الصحافيين، تَسْجُنُ المفكرين الذين يختلفون معها ولا يقبلون برأيِها الوحيدِ. ليلى: واو! تسجن الفنانين؟ الفنانين الذين يرسمون؟ الأب: نعم، هم وغيرهم. وربما تَقْتُلُهم أيضاً بسبب رأيِهم المخْتَلِف !
ليلى: ولكنْ هذا لا يجوزُ ! الأب: طبعاً لا يجوزُ، وهذا تماماً ما يدفعُ الناسَ إلى الثورةِ، لأنَّهم يكرهون الظلمَ ولأنَّهم يرفضُون اللونَ الواحدَ ولأنَّهم يريدون أنْ يكونوا أحراراً وأنْ يحَقِقوا الخيرَ لبلدِهم، لبيتِهم الكبيرِ . ليلى: أنا أكره الظلمَ يا بابا، وأحبُّ الحريةَ. أنا أحبُ أيضاً أنْ أرسُمَ بكُلِّ الألوانِ الأب: نعم يا حبيبتي، نحنُ نَرْفُضُ الظُلْمَ ، وعلينا أنْ نعمَلَ جاهدين لمَنْعِ وقوعِهِ في كلِّ وقتٍ ذهبت ليلى إلى فراشها في تلك الليلةِ مبكرةً، وفكَّرَتْ طويلاً في معنى الثورةِ قبلَ أنْ تَخْلُدَ إلى النومِ
