مفاتيح – الاعتذار قوة

 

بقلم هدى السيروان

رسوم مودة

أعلمُ من أخطائي السابقة كيف أن الاعتذار يعني لوالديَّ الكثير، فهما على استعداد للصفح تقريباً عن أي خطأ أرتكبه والبدء من جديد إذا اعترفت 10بأخطائي واعتذرت، ولكن هذا لا يعني أن الاعتذار أمرٌ سهل. بالرغم من أن عمري لم يتجاوز عشر سنوات فإنني اعتدت طوال السنوات الماضية أن أتهرَّبَ بالنوم بعدَ أي خطأ أرتكبه، لأستيقظَ وأجدَ والديَّ قد نسيا ما فعلته (أو تناسيا ذلك). في بعض الأحيان كانت تساعدني أختي الكبرى وتمسك بيدي أمامهما وتقول بضع عبارات اعتذار عوضاً عني، بينما أظهرُ علامات الأسى والندم على ما اقترفته، فينقضي الأمر بقبلة على الجبين وعناق جماعي تصاحبه دموع غزيرة ووجه أحمر خَجِلٌ من أخطائه.

لكنني لم أعد صغيراً لتُغفر لي جميعُ الخطايا والذنوب، بل أصبحت يافعاً وصرت مُحاسباً على كلماتي وجميع أفعالي، ووجبَ عليَّ أن أراقب 111جميع ما أفعل وأنطق به. أذكر صديقي خالداً الذي طال شجاري معه حتى نهاية العام؛ لأجل قلمه الجديد الذي كسرته عن قصد دون أن أعترف له بذلك أو أعتذر منه، وكيف انتهى العام وافترقنا دون أن نتصالح ودون أن يودع أحدنا الآخر. كثيرةٌ هي المواقف التي أشعر فيها بالندم تجاه استجابتي لأخطائي، فغالباً ما يمنعني كبريائي وثقتي بأن ما أفعله هو الصواب دوماً، من الاعتراف وتصحيح ما حصل. وكانت آخرها مشكلتي مع أختي حيثُ قمت بلحظة طيشٍ مني بإزعاجها ورمي جميع كتبها وأقلامها أرضاً ثم الكذب عليها بأني لست الفاعل ورمقها بنظرات سيئة! لم تلعب معي منذ يومين ولم تكلمني حتى كلمة واحدة.

في المساء جلست في غرفة الجلوس أشغل نفسي بمشاهدة الرسوم المتحركة غير أن الأفكار لم تفارقني بحثاً عن ملجأ ومنجىً مما فعلت، دون اللجوء إلى الاعتذار منها أو إظهار المذلة وطلب العفو. فجأة ومن بين تلك الأضواء والرسوم والألوان في الشاشة ظهر مفتاح أنساني كل ما يتواتر في دماغي من هموم وأفكار، فاقترب مني وجلس بهدوء وقال:

  • أعلمُ تمام العلم أنك اشتقتَ لأختك وعطفها وحنانها الدائمين. وأعلم أنك ترغب في إعادة الأمور إلى مجراها وتناسي ما حصل. وأنك لو عُدت إلى الماضي لأحسنت التصرف ولم تفعل ما فعلت، ولكنك الآن في اللحظة الآنية ولا يمكنك العودة إلى الماضي والتلاعب بما حصل فيه.
  • لا تقُل أنك تريدني أن أذهب إليها وأعتذر. من المستحيل أن أفعل ذلك أبداً. ربما تطلب مني الاعتراف أو التعويض أو حتى ترفض
    سماحي! كيف تريدني أن أوقع نفسي بهذه الداهية.
  • لا عليك. استمع إليَّ جيداً ثم افعل ما يمليه عليك قلبك. لا شك أن الاعتذار يتطلب شجاعة كبيرة كي تذهب إلى صديق مثلاً وتقول “لقد كنت مخطئاً” أو “إنني أعتذر” أو “أنا آسف” ومن الصعب بشكل خاص أن تعترف بأنك ارتكبت خطأ لوالديك او إخوتك. ولا شك أنك إن فعلت ذلك فستشعر ببهجة عارمة.
  • ولكنني لا أمتلك هذا القدر من الشجاعة لفعل ذلك!11
  • إياكَ وأن تجعل افتقارك إلى الشجاعة يعترض طريقك نحو الاعتذار لأشخاص ربما تكون أزعجتهم بحق. لأن الأمر ليس مخيفاً كما يبدو، وسوف يجعلك تشعر بارتياح شديد بعد ذلك. بالإضافة إلى ذلك، فالاعتذار ينزع الحقد والغضب من القلوب. وبالطبع فإن الاعتذار لشخص برهان على حبك له وإخلاصك على إبقاء الود بينكما. ولأنك، أنت وأنا وجميعنا سوف نستمر في ارتكاب الأخطاء طوال حياتنا، فإن الاعتذار خُلُقٌ جميل جداً ويجب أن نتعلمه و تتشبث به.
  • أظن أن التفكير بالاعتذار بهذه الطريقة ليس بهذا القبح الذي كنت أعتقده. هل هناك طريقة لطيفة تجعلني أعتاد هذه العادة؟
  • نعم. يمكنني أن أقدم لك أفكاراً جميلة تعينك على البدء بذلك، ولكنها لا تُغني عن الاعتذار في مواجهة الأخطاء. يمكنك مثلاً أن تهديها
    باقة من الورد بداخلها بطاقة اعتذار، أو تصنع لها رسالة مزركشة بألوانك وخطك الجميل، كما يمكنك أن تساعدها بشيء لم تملك الوقت الكافي لفعله (كترتيب المنزل أو تحضير وجبة العشاء) بمعنى آخر «قدم لها تصرفات حسنة تشعرها بالسعادة».
  • هل ستسامحني حينها؟!
  • الأمر يحتاج إلى بعض الصبر، والاعتراف بما فعلت، والتعهد بعدم تكرار ذلك. عليك أن تريها تغييراً واضحاً في طريقة تعاملك معها.
  • أظن أنني إذا قدمت تصرفات حسنة قبل الاعتذار وفكرت ملياً بما يعنيه الاعتذار من الشخص فإني حينها سأستطيع قولها بلا أي خوف أو عائق. ولن أشعر بعدها أنها تنقصُ من قيمتي أبداً.

مفتاحك بيدك الآن:12

اعتذر!

احرص على تصرفاتك وأقوالك كي تتجنب الخطأ ما أمكن. وإن كان لابد فلا تخجل ولا تتردد في الاعتذار فعلاً قبل الاعتذار قولاً. فالاعتذار برهان على الصدق والثقة بالنفس دون خيلاء أو تكبر. وليس دليلاً على الضعف والاستكانة أبداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *